العقل المصرى فى أزمة، والدليل وقوعه فريسة سهلة للشائعات، كما ذكرت فى مقال سابق، لكن ما هو الحل؟،

ما هو طوق النجاة لإنقاذ العقل المصرى من الغيبوبة أو «التولة»، كما سماها كاتبنا الغائب الحاضر يوسف إدريس؟

إنها العين واللام والميم، التعليم والإعلام، لن يستيقظ العقل المصرى من غيبوبته ليجر قاطرة التقدم المصرى فى جميع المجالات بداية من السياسى حتى الرياضى، مروراً بالاقتصادى والعلمى والاجتماعى، لن يصحو من غفوته إلا بالتفكير العلمى من خلال التعليم والإعلام، حتى الرياضة لم تعد عافية وحماساً ودعاء جماهير، إنها صارت علماً، فكسر الثانية فى سباقات الجرى والسباحة لا يتحقق إلا بالعلم.

وصلتنى رسالة من الأستاذ محمد وهبى شمس الدين بالقسم العربى بجريدة المستقلة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تعليقاً على المقال تحمل هذا المعنى، يقول محمد وهبى: «ما ذكرته فى المقال يلمس الواقع المصرى الذى نعيشه بشدة، ولعل أكبر برهان على ذلك هو الأخبار التى تتناقلها الصحف يومياً عن مشاكل عويصة سببها شائعات تافهة، وأيضاً حينما أندسُ - وسط المصريين العاديين، الذين من المفترض أن ٦٠% منهم، وفقاً للإحصاءات، المتداولة تلقوا تعليماً بشكل أو بآخر- فى حافلة أو قطار يهالنى ما أسمع من شائعات، وتفاسير عجيبة لأحداث لم أسمع بها، والأخطر أن هذا الأمر امتد إلى كثير ممن نصفهم بالمتعلمين، فنجد نظريات المؤامرة التى ينضم فيها أعداء الدنيا كلهم من أجل هدف واحد، وأتذكر أيضاً الخطاب الثانى للرئيس السابق حسنى مبارك، حينما تعاطف معه الكثيرون لاغين عقلهم وتفكيرهم ومنطقهم.

وكما ذكرت فى مقالك، فإن كثيراً من المتعلمين الذين يرقى تعليمهم إلى مستوى عالٍ يساهمون فى نشر وتصديق هذه الشائعات.

إذن، المشكلة ليست فى معرفة القراءة والكتابة نفسها، ولا حتى فى تلقى العلم نفسه، وإنما المشكلة تكمن فى عدم وجود تفكير علمى لدى الغالبية العظمى من الشعب، وتكمن فى أن الناس يعتمدون على الخرافة لا الدليل القاطع، والعشوائية بدلاً من المنطق، والانسياق بدلا من التشكك ومحاولة التفكير، وأرى أيضاً أن هذه المشكلة تستمد قوتها من أن نظام التعليم يعتمد على الحفظ والتلقين وليس الفهم والاستنباط والتحليل.

إذن، نحن فى معضلة سببها فساد نظام التعليم فى المقام الأول، مما يجعل المتعلمين أصحاب عقول تحمل مئات الحقائق ولا تفكر فيها، وغياب مبدأ التفكير العلمى الذى يعطى الفرد القدرة على معرفة المعلومة الموثوق بها والتى يمكن بناءً عليها التصرف وبناء الاتجاه.

ولما كانت مصر فى مرحلة تغيير شامل، أرى أن تكون هناك حملة منظمة لتوجيه النظر إلى أكبر مشاكل التعليم، وهى غياب الفهم مما يعنى غياب التعليم من أساسه، وكذلك دعم تدريس التفكير العلمى، وليس العلم وحده، كمادة دراسية لطلاب المدارس تدفعهم للتساؤل حول كل شىء، وعدم تصديق الشائعات وعدم الانسياق وراء الألفاظ الرنانة التى تكون فى كثير من الأحيان مغرضة.

وفى النهاية أقول كلمة قالها النابغة آينشتين: «الثقافة هى ما يبقى بعد أن ننسى كل ما تعلمناه فى المدرسة».